*هذا النص جزء من رسالتي الماجستير من جامعة بيرزيت. شكرا لمشرفي الدكتور عمر تسدال
توجد العديد من أنظمة حصاد الماء المنتشرة في فلسطين، ولعل أكثرها حضورًا في الكتابات الأكاديمية الأنماط المختلفة المنتشرة في صحراء النقب.[1] في الواقع، عادةً ما يتم ربط حصاد الماء بالمناخ الجاف وشبه الجاف، ربما لندرة الماء في هذه المناخات وصعوبة الزراعة فيها دون حصاد ماء.[2] يقصد بحصاد الماء “حرمان جزءٍ من الأرض من نصيبه من المطر وإضافته إلى حصة جزءٍ آخر،” أو على الأقل نقل جزءٍ من حصة أرضٍ ما إلى أرضٍ أخرى، وهذا يستلزم توظيف تقنياتٍ مختلفةٍ “تجمع الماء وتخزنه، أو تزيد الجريان السطحي المتقطع أو كمية المياه الجوفية.”[3] وعادةً ما يتكون نظام حصاد الماء من أربعة أجزاءٍ (أو بعضها): منطقة التجميع، ونظام نقل الماء أو تحويل مساره، ومنطقة تخزين الماء، ومنطقة الهدف أي الاستخدام للماء المحصود.[4] ومن بين أنظمة حصاد الماء في جبال وسط فلسطين، تبرز آبار الجمع والمصاطب الزراعية التي تسير مع خطوط المناسيب.[5] وإضافةً إلى المصاطب وآبار الجمع، تمكنت الباحثة من الوصول إلى نموذجين لنظامين آخرين أقل انتشارًا في المشهد، الأول في وادي العقدة في رام الله، والثاني في سنجل، وستكتفي الدراسة بتحليل نظام وادي العقدة.

صورة رقم (1): سنسلةٌ منهارةٌ في وادي العقدة – رام الله، تظهر كمية من التربة التي كانت محميةً بالسنسلة، وبدأ جزءٌ منها بالانجراف نتيجة انهيار السنسلة. تصوير الباحثة، 18 آذار 2022.

صورة رقم (2): بئر جمعٍ مرافقٌ لقصرٍ زراعيٍ في وادي العقدة – رام الله. تظهر منطقة جمع الماء مبلطةً في مقدمة الصورة، أما البئر فهو مغلق بحجرٍ غير منتظمٍ إلى يسار الساحة المبلطة، ويظهر قصرٌ زراعيٌ في الخلفية إلى اليمين. تصوير عمر تسدال، 13 نيسان 2022.

صورة رقم (3): نظام حصاد ماء في سنجل، الماء المجموع من قمة الجبل ومن المناطق الصخرية العليا ينزل إلى حبلات زراعية في الوادي في منحدر الجبل. هناك أشجار زيتون وبقايا أشجار تين أعلى منطقة نظام حصاد الماء، أما باقي النظام ومحيطه فيشهد إعادة نمو الغطاء النباتي الطبيعي، خاصةً نبتة النتش. تستطيع الزائرة إلى هذا المكان تمييز كبر حجم الحجارة المستخدمة لبناء السناسل في نظام حصاد الماء مقابل السناسل الكنتورية المجاورة. تصوير الباحثة، 20 كانون الثاني 2022.

صورة رقم (4): نظام حصاد ماءٍ في وادي العقدة – رام الله، يظهر النظام إلى يسار وسط الصورة، تحت الشارعين الترابيين المتقاطعين. تصوير الباحثة، 9 كانون ثاني 2022.
يبعد نظام وادي العقدة حوالي أربعة كيلومتراتٍ إلى الشمال الغربي من البلدة القديمة لرام الله، ويقع بين جبلين يصبان في وادي العقدة الذي ينقل المياه الجارية فيه إلى وادي الدلب المؤدي إلى البحر الأبيض المتوسط. حين ينزل المطر على الجبلين وعلى الجبال الأخرى المحيطة بالوادي، فإن الأرض تتعامل مع هذا الماء بدرجاتٍ متفاوتةٍ. فمثلًا هناك مناطق مغطاةٌ بغطاءٍ نباتيٍ طبيعيٍ، تحجز الماء في التربة والدبال وأيضًا بين جذور النباتات البرية، وهناك مصاطب زراعيةٌ تحجز الماء في التربة. وفي الحالتين، يتسرب الماء الفائض عن قدرة التربة على التخزين بشكلٍ تدريجيٍ إلى المناطق الأخفض. وإضافةً إلى ذلك، هناك مناطقٌ صخريةٌ تسمح للماء بالجريان، ومناطقٌ كانت تربتها محميةً بالغطاء النباتي الطبيعي أو بالسناسل لكن تراجع النظامين (مثلًا بسبب إزالة الغطاء النباتي الطبيعي) أدى إلى انجراف التربة إلى الوادي وجريان الماء أيضًا. هذا التركيب في المشهد، والذي نشأ عن عوامل طبيعيةٍ وبشريةٍ متبادلةٍ، جعل التربة تتراكم في قاع الوادي مع الزمن. ومع التواجد المستمر في المكان وفهمه، أدرك الفلاح الفلسطيني أن تراكم كميةٍ كبيرةٍ من التربة في هذا المكان وتشبعها بالماء يعني أن هذه الأرض ستأتي بمحصولٍ وفير، لكن الوادي غير ملائم للزراعة نظرًا لقوة الماء التي ستسحب معها التربة والبذور. ولحماية التربة من قوة جريان الماء، وتحويل الوادي غير المستغل بشريًا إلى مساحةٍ زراعيةٍ، كان لا بد من تصميم نظامٍ لحماية التربة وما تخزنه من ماء. حين أدرك الفلاح الفلسطيني خطوط حركة الماء، تمكن من هندسة المكان من خلال وضع جهدٍ كبيرٍ في إنشاء جدرانٍ حجريةٍ عريضةٍ جدًا (حوالي 1.2 – 3.6 م)، يعمل كلٌ منها كسدٍ يحجز التربة وراءه، ويضاف لذلك جدارٌ حجريٌ أقل سماكة، يحجز التربة ويعمل مع السنسلة المقابلة له كقناةٍ بديلةٍ لمجرى الوادي الأصلي، تسير فيها مياه الوادي الفائضة عن قدرة حمل النظام وقدرة التربة في الجبال المجاورة. بهذه الطريقة، تمكن الفلاح من مراكمة تربةٍ عميقةٍ (وبالتالي تحجز كميةً كبيرةً من الماء) في مكانٍ لم يسبق أن تمت زراعته، هذا يعني أن الفلاح حصل على محصولٍ إضافيٍ ووفيرٍ. أما عن المحصول المزروع، فتشير الرواية المحلية أن هذه النظام كان مزروعًا بالحبوب حتى وقتٍ قريبٍ، لكنه اليوم غير مستغلٍ زراعيًا (باستثناء وجود شجرة زيتونٍ واحدةٍ في الجسر الأخفض)، بل ومعرضٌ للخطر نتيجة قيام بلدية رام الله بفتح شارعٍ في الوادي، يعتقد بأنه سيحل محل هذا النظام المائي من بين أنظمةٍ بيئيةٍ وزراعيةٍ أخرى.[6]
في الكتابات الأكاديمية، تعرف الأنظمة المشابهة لنظام وادي العقدة بأنظمة حصاد المياه في قاع الوادي. وفيما يختص بأجزاء النظام الأربعة، فإن الجبال المحيطة بنظام وادي العقدة تشكل منطقة التجميع، ويعمل الوادي نفسه والمناطق الصخرية المكشوفة شمال النظام كوسيلةٍ لنقل الماء، أما منطقة التخزين فهي نفسها منطقة الاستخدام، كون التربة التي تحجز الماء هي نفس التربة التي ينمو فيها المحصول.[7] أما عن التسمية المحلية، فتعتقد الدراسة أن هذا النظام هو نظام جسورٍ.[8] يصف أحد حملة المعرفة المحلية (61 سنة) الجسور قائلًا: “جسر، يعني هاظ في أرض سهل بين الويدان، اسمه جسر، عريض، هلقيت عجنبه واد… لأنه حسب ميال الأرض، هلقيت الواد مهود بميال، هم بعملوا سنسلة، بتصير الأرض قاعدة في الواد، الأرض القاعدة، بتصير بس عمراحل بتصير.”[9]وربما تأتي تسمية “جسر” من توجيه السناسل العريضة المخصصة لحجز التربة بشكل عامودي على مجرى الماء في الوادي، وهذا مشابه لجسور المشي فوق الأنهار والأودية. في الحقيقة، هناك نظام حصاد ماءٍ يعرف بنظام الجسور في جنوب تونس، لكن هذا النظام أقرب لنظام حصاد الماء في سنجل من نظام حصاد الماء في وادي العقدة.[10]

صورة رقم (5): صورةٌ لنظام حصاد الماء في وادي العقدة – رام الله. يظهر وسط الصورة إثنان من الجدران الحجرية العريضة المستخدمة لحجز التربة والماء، وتظهر خلفها أجزاءٌ من القناة، وتظهر سناسل زراعيةٌ في الجبل. تصوير الباحثة، 9 كانون ثاني 2022.

صورة رقم (6): رسم توضيحي لنظام حصاد الماء في وادي العقدة.
[1] Evenari et al., The Negev; Mordechai Haiman, Eli Argaman, and Ilan Stavi, “Ancient Runoff Harvesting Agriculture in the Arid Beer Sheva Valley, Israel: An Interdisciplinary Study,” The Holocene 30, no. 8 (August 1, 2020): 1196–1204, https://doi.org/10.1177/0959683620913917.
[2] Theib Oweis, D. Prinz, and A. Hachum, Water Harvesting: Indigenous Knowledge for the Future of the Drier Environments. ICARDA, Aleppo, Syria, 40 Pp (Aleppo: International Center for Agricultural Research in the Dry Areas, 2001); Brian Beckers, Jonas Berking, and Brigitta Schütt, “Ancient Water Harvesting Methods in the Drylands of the Mediterranean and Western Asia,” ETopoi. Journal for Ancient Studies 2 (September 1, 2013).
[3] Oweis, Prinz, and Hachum, Water Harvesting, 3; Beckers, Berking, and Schütt, “Ancient Water Harvesting Methods in the Drylands of the Mediterranean and Western Asia,” 145–46.
[4] Beckers, Berking, and Schütt, “Ancient Water Harvesting Methods in the Drylands of the Mediterranean and Western Asia,” 147–48.
[5] Julian Koelbel, Jane Helal, and Jad Isaac, “Survey and Assessment of Ancient Cisterns in the West Bank” (Applied Research Institute of Jerusalem (ARIJ), 2009); Z. RON, “Agricultural Terraces in the Judean Mountains,” Israel Exploration Journal 16, no. 1 (a 1966): 33–49.
[6] مقابلة تاريخ شفوي
[7] Oweis, Prinz, and Hachum, Water Harvesting, 15–16; Beckers, Berking, and Schütt, “Ancient Water Harvesting Methods in the Drylands of the Mediterranean and Western Asia,” 147–48; 153–54.
[8] هناك حاجةٌ لبحثٍ أكبر في هذا المجال، ربما مرافقة أحد الأجداد إلى منطقة هذا النظام الزراعي.
[9] مقابلة تاريخ شفوي.
[10] Oweis, Prinz, and Hachum, Water Harvesting, 18; W. R. S. Critchley, C. Reij, and T. J. Willcocks, “Indigenous Soil and Water Conservation: A Review of the State of Knowledge and Prospects for Building on Traditions,” Land Degradation & Development 5, no. 4 (1994): 303–4, https://doi.org/10.1002/ldr.3400050406.

Leave a comment